تواجه بلادنا استحقاقا انتخابيا رئاسيا وتشريعيا في خريف سنة 2009. و بدأت الحكومة حملتها الانتخابية منفردة منذ عام دون أن تبدي أية نية لإصلاح الإطار القانوني والمناخ السياسي الذين ستجري فيهما هذه الانتخابات والذين تنعدم فيهما أدنى شروط الاختيار الحر والمنافسة النزيهة.
ولا يمكن لكل من يهمه أمر تونس ومستقبلها أن يقف متفرجا إزاء ما يجري الإعداد له من تحويل لهذا الاستحقاق الانتخابي إلى مناسبة لإعادة إنتاج نظام الحكم الفردي والرئاسة مدى الحياة وهيمنة الحزب الواحد على أجهزة الدولة والمجالس المنتخبة ومؤسسات الإعلام والمجتمع المدني . وقد عانت تونس طويلا من مثل هذا النظام الذي انتفت فيه الحريات وفقد فيه القضاء استقلاله وانتشر في ظله الخوف وتفشت الرشوة والمحسوبية وولد شعورا عاما بالإحباط وبفقدان الأمل.
وحاولت الحكومة تبرير مثل هذا النظام بضرورات التنمية الاقتصادية وكثيرا ما تباهت بنسب النمو التي حققتها والحال أن الإصلاح ضرورة من ضرورات التنمية وأن نسب النمو التي تحققت لم تكن كافية وبنت اقتصادا هشا.
لم تكن هذه المعدلات كافية لأنها عجزت عن رفع التحديات التي تواجه البلاد: التشغيل والرفع من مستوى العيش.
فمعدلات البطالة ظلّت تراوح مكانها منذ أربع عقود واستقرت في مستوى 15 بالمائة من قوة العمل وباتت تستهدف اليوم فئات الشباب والمتعلمين منهم على وجه الخصوص، ومن بينهم خريجو الجامعات الذين يعززون صفوف العاطلين عن العمل بعشرات الآلاف كل سنة.
و نهش غلاء الأسعار من جهته القدرة الشرائية للأجراء والفئات الوسطى والضعيفة من المواطنين وعجزت البلاد عن تحقيق هدف اللحاق بالدرجة السفلى من البلدان المتقدمة من حيث مستوى العيش. بل وعمقت السياسة التنموية للسلطة من التفاوت واختلال التوازن بين الفئات والجهات.
وكانت هذه التنمية هشة لأنها راهنت لعقود طويلة على قطاعات تقليدية، معرّضة للتقلبات المناخية أو السياسية (السياحة) وعلى إستراتيجية تصديرية لمنتوجات ذات قيمة مضافة متدنية، تشغّل يدا عاملة رخيصة الأجر وقليلة المهارة مثل صناعة النسيج والملابس. فنتج عن هذا الاختيار اقتصاد ضعيف الاندماج وشديد التأثر بالطلب الخارجي.
وإلى ذلك، وبسبب ذلك، تواجه البلاد تحدي العولمة في ظروف غير ملائمة فتناقص نصيبها من الأسواق الخارجية وتشهد الصناعات المحلية منافسة غير متكافئة في السوق الداخلية وما ينجر عن ذلك من غلق للمؤسسات الوطنية وتسريح للعمال بعشرات الآلاف.
وترفض الحكومة أن يكون استحقاق 2009 مناسبة لتقييم مسيرة البلاد التنموية والوقوف على مواطن الوهن والإخفاق فيها ولاقتراح البرامج على الرأي العام قصد معالجتها وتمكينه من أن يختار بكل حرية ومسؤولية ما يراه الأصلح من بينها، وتحاول بدلا عن ذلك ممارسة الوصاية والإقصاء ومحاصرة الرأي المخالف وحجب المعلومة ومنع المجتمع المدني بهيئاته المهنية والأكاديمية والسياسية من وسائل التواصل قصد ثنيه عن كل اجتهاد وشل مشاركته في الحياة العامة في وقت تسعى فيه كل الدول إلى تفجير طاقات مجتمعاتها الإبداعية والمراهنة على ذكائها. إن رفع مجمل هذه التحديات يمر عبر النهوض بالاستثمار الذي يعرف ركودا منذ منتصف التسعينات، ودفعا للاستثمار الخاص على وجه التدقيق. ففي اقتصاد سوق مفتوحة على العالم كما هو اقتصاد جميع البلدان في عصرنا الحاضر تلعب المؤسسات الصغرى والمتوسطة دور القاطرة في خلق الخيرات وإحداث مواطن الشغل ويلعب المجتمع المدني الناهض الدور الفعال في إعادة توزيع الثروة على أساس من العدل والتضامن.
والنهوض بالقطاع الخاص لا يعني البتة تخلي الدولة عن القيام بوظائفها الأساسية. فبالإضافة إلى دورها التقليدي في حفظ الأمن وإقامة العدل وتأمين الدفاع الوطني تقع على عاتق الدولة مسؤولية تأمين المرافق العمومية من تعليم عمومي مجاني ومتطور وخدمات صحية عمومية رفيعة الجودة وتغطية اجتماعية للجميع ومد البنية التحتية وتهيئة التراب الوطني بما يضمن التنمية المستديمة والتوازن بين الجهات ويحمي البيئة.
و قدرة الدولة على القيام بهذه الوظائف المختلفة تتوقف على مدى حيوية الاقتصاد وقدرته على الإنتاج والمنافسة، فمنه تستمد الدولة وسائلها وتحقق توازن ماليتها وتقضي على الدين العمومي الذي يرتهن مستقبل الأجيال واستقلال قرارنا الوطني.
إن رفع التحديات المصيرية التي تواجه تونس من خلق للخيرات وإحداث مواطن الشغل وتوزيع الثروة على أساس من العدل والتضامن ومواجهة المنافسة الخارجية اعتمادا على صناعات وخدمات ذات قيمة مضافة عالية توطن التكنولوجيا وتشغل يد عاملة ذات مهارة تفرض إصلاحا شاملا للهياكل الاقتصادية والمالية ولنظام التعليم والتكوين والبحث العلمي وفي مقدمتها إصلاح النظام السياسي للبلاد.
إن إصلاح النظام السياسي بما يخلص المجتمع من الوصاية ويخضع السلطة لرقابة المجتمع لا يضمن كرامة المواطن وحسب، وهو هدف عظيم في حد ذاته، وإنما يكفل أيضا دوام الاستقرار والسلم الأهلية ويوفر المناخ الملائم للاستثمار الداخلي والخارجي على حد سواء ويسهم في فتح البلاد على محيطها الإقليمي كشرط ضروري لانفتاحها على العالم الخارجي واندماجها في الاقتصاد العالمي.
ويمثل استحقاق 2009 فرصة لنفض غبار السلبية عن أنفسنا وإنجاز مهمة إصلاح النظام السياسي وتحرير طاقات المجتمع من مكبلاتها.
لذلك واستجابة لنداء الواجب قررت التقدم بترشحي للانتخابات الرئاسية لسنة 2009 على قاعدة برنامج الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي يستوجبها النهوض ببلادنا والتي سأعلن عن تفصيلها في وقت لاحق، معتمدا في ذلك على الله وعلى تأييد ومساندة مناضلي ومناضلات الحركة الديمقراطية والتقدمية التونسية وفي مقدمتها مناضلو الحزب الديمقراطي التقدمي والشخصيات الوطنية الممضية على "النداء من أجل بديل ديمقراطي"، هدفي من ذلك بذل أقصى الجهد لإحداث التغيير الذي ينشده شعبنا، وفي الحد الأدنى المساهمة في إنضاج ظروفه وتعبيد السبيل إليه.
وإن ما يحظى به تمشينا من صدقية و احترام لدى الرأي العام الوطني الواسع وما نحظى به من تعاطف في أوساط النخب العربية ومن تقدير من قبل المراقبين الأجانب وأحباء الحرية والديمقراطية في العالم يجعل الموقف من ترشحنا قبولا أو رفضا معيارا من معايير الحكم على صدقية الانتخابات القادمة أو زيفها. فإما أن ترفع الحواجز القانونية الظالمة التي تعودت الحكومة وضعها على طريق ترشحنا وإلا فإنها تقر منذ الآن وأمام العالم بأن الشعب التونسي محروم من حرية الاختيار وأنه معرض لمحاولة مصادرة حقه في اختيار من ينوب عنه في الحكم بكل حرية وشفافية.
إن النظام القانوني الحالي الذي يفرض على المرشح إلى الانتخابات الرئاسية أن يحصل على تزكية ثلاثين عضوا من المجالس التي يسيطر عليها الحزب الحاكم لا يفتح مجال المشاركة في هذه الانتخابات عمليا إلا لمرشح هذا الحزب وحده. لذلك تلجأ السلطة كلما اقترب الموعد الانتخابي إلى تعديل الدستور والسماح للأحزاب الممثلة بإرادة منها في البرلمان بتقديم مرشح عنها مغلقة بذلك الباب في وجه الشخصيات الوطنية و أحزاب المعارضة المستقلة.
وفي المناخ السياسي الحالي تقصر الحكومة المنافسة الانتخابية على حملة باهتة تقرر مدتها ومن يحق له المشاركة فيها وتحدد شروطها من جهة استعمال وسائل الإعلام وتوقيتها وتعيين قاعات الاجتماع وعدد المعلقات وأماكنها فيما تحتفظ لنفسها بحق تسخير وسائل الإعلام وأجهزة الإدارة والمال العام للأغراض الدعائية لحزبها ومرشحيه بما يجرد الحملة الانتخابية من أدنى شروط المنافسة المتكافئة وينفي عنها مقومات الاستشارة الشعبية الحرة.
إننا نرفض هذا الديكور الانتخابي وسوف نعمل من جهتنا على فرض التكافؤ في الفرص بين جميع الفرقاء. لن نقبل بأن يحتكر الحكم حق تعليق المعلقات العملاقة واستعمال الدور العمومية ووسائل الإعلام الجماهيرية طيلة المدة التي لا تزال تفصلنا عن الموعد الانتخابي ليختار في نهايتها وبصفة تعسفية منافسيه ويفرض عليهم التحرك في مربع يحدده لهم في إطار حملة انتخابية لا تزيد مدتها عن خمسة عشر يوما بالعد والحصر.
إننا سنمارس حقنا في تعليق المعلقات وفي استعمال وسائل الاتصال السمعية والبصرية المحلية والأجنبية وعن طريق الانترنت والأقراص المضغوطة والمناشير والاجتماع بالمواطنين في أحيائهم وأماكن عملهم لنعرفهم ببرامجنا ومقترحاتنا ونشحذ عزائمهم وندعوهم ليفرضوا حقهم في الاختيار الحر.
وإني إذ أتوجه بجزيل الشكر وبعبارات العرفان التقدير إلى مناضلي ومناضلات الحزب الديمقراطي وإلى الشخصيات الوطنية التي تبنت ترشحي في إطار "النداء من أجل بديل ديمقراطي" الذي أصدرته اليوم، أتعهد لهم جميعا بالعمل بكل جد وإخلاص وفي تنسيق وتشاور دائمين معهم على تحقيق هذه الأهداف والقيام بحملة مشرفة في نطاق القانون وأخلاق التنافس النزيه حتى نوفر للشعب التونسي حق الاختيار الحر لمن ينوب عنه في الحكم فتحرر طاقاته الإبداعية ويواجه التحديات المحيطة به بهمة واقتدار.
تونس في 13 فيفري 2008