vendredi 14 septembre 2007

هل المعارضة في تونس حكر على الحركات الإسلاموية ؟


من الممكن إعطاء نظرة شاملة على الحركات المعارضة في تونس من خلال النظر إلى المرجعيات الإيديولوجية لتلك الحركات. وسيستنتج أي ملاحظ للساحة السياسية دون عناء كبير أن تلك المرجعيات لا تزيد إجمالا عن ثلاث : المرجعية القومية العربية ، المرجعية اليسارية والمرجعية الإسلاموية. وبالنظر إلى الوضع العالمي والمستجدات الإقليمية يمكن القول أن المرجعيتين الأولى والثانية فقدتا الكثير من بريقهما السابق ، فالقومية العربية لم تعد لها القدرة على التعبئة مثلما كان الحال أيام عبد الناصر ، في حين لازالت الحركات اليسارية تبحث عن هوية لها منذ انهيار الإتحاد السوفياتي . أما الإسلامويون ، فإنهم يملؤون الفراغ الذي تركته المعارضة "الرسمية" الغارقة في مشاكلها الداخلية والمهتمة بشهادات حسن السلوك النابعة من أعلى هرم السلطة


إن نظرة خاطفة إلى أبرز المواقع المعارضة التونسية على الأنترنات كفيل بأن يعطي فكرة عن مدى تلون تلك المواقع باللون الإسلاموي ، وإن لم يفصح ذلك اللون عن نفسه بشكل علني . ولعل الإتجاه الإسلامي يعتقد ، عن صواب أو عن خطأ ، أنه المعارضة الوحيدة الجادة في البلاد ، ويُستشَفّ ذلك من أقوال بعض الشخصيات المحسوبة عليه التي تتكلم باسم الشعب وباسم القوى الديمقراطية دون أن يكون أحد قد أعطاها توكيلا بذلك وربما ارتكز الإسلامويون أيضا على حركة رجوع إلى الدين داخل المجتمع ليعطوا الإنطباع لأنفسهم وللآخرين أن لهم شعبية كبرى بين طبقات الشعب


في مقابل ذلك ، يبدو أن المعارضة "العلمانية" بيسارييها وقومييها قد انساقت وراء اللعبة الإسلاموية جاعلة من مطالب الإسلامويين مطالبها الخاصة، حيث ظهر ذلك بشكل جلي في حركة 18 أكتوبر (نستثني هنا حركة التجديد ومن لف لفها وسنرجع للموضوع في مقال لاحق). لكن مهادنة الإسلامويين والتحالف معهم لم يكونا أبدا حصرا على المعارضة المعترف بها ، بل هو فن أجادته الدولة ـ الحزب قبل غيرها. فالجميع يعلم أن دولة ما بعد 7 نوفمبر قد اختارت لمكافحة الإسلام السياسي محورين اثنين على الأقل : الأول هو محور أمني بحت وقد نجحت فيه إلى حد بعيد والثاني هو محور سياسي يتلخص في سلب الإسلاميين شرعيتهم وذلك من خلال إعطاء بعد إسلامي للنظام وإدماج عناصر من الخطاب الإسلاموي ضمن الخطاب الرسمي. إذ كانت الحركة تستمد شرعيتها في ظل النظام السابق من معاداة الدولة ممثلة في شخص بورقيبة لمظاهر التدين والإستناد إلى مرجعيات غير دينية في تحرير النصوص التشريعية والقانونية


إن الشواهد على تحرك الدولة في اتجاه الطروحات الإسلاموية كثيرة ، وترجع بداياتها إلى أول عهد التغيير. فرفع
الآذان في أجهزة الإعلام الرسمية ، والتغطية الإعلامية لإشراف الرئيس على الإحتفالات الدينية ، وأخيرا وليس آخرا تشييد جامع العابدين ، كل تلك كانت واجهة إسلامية للسلطة تمحو بها السمعة اللادينية لدولة الإستقلال. ولعل أحد أهم مظاهر الإدماج هذه (وإن لم يكن يحمل دلالات سياسية عميقة) هو اكتساح اللون البنفسجي لكل المشهد البصري في تونس. فمنذ سنوات أصبح اللون البنفسجي اللون الغير الرسمي لرئاسة الدولة ثم أصبح تدريجيا اللون المحبذ للدولة التونسية وإداراتها ومؤسساتها ، في حين أن ذات اللون كان في الأصل اللون الرسمي لحركة النهضة ، ولا تزال إلى اليوم أحد أبرز مواقع الأنترنات المحسوبة على هذا التيار ترتدي حلةً بنفسجية. أما آخر هذه الإشارات فيتمثل في بعث إذاعة الزيتونة بمعرفة بل وبمباركة من النظام (خاصة وأن صاحب المحطة من أصهار الرئيس). فالسؤال الذي يلح علينا والحال هذه : هل نحن بصدد معايشة تحول جذري داخل الحزب الحاكم في اتجاه تعزيز الجانب الإسلامي للدولة ؟ هل وجد التجمع في المزايدة على الإسلامويين وطروحاتهم حلا لعجزه المتواصل عن تجديد نفسه ؟

التجمع اليوم بعيد عن الحزب الدستوري غداة الإستقلال. فالشغل الشاغل اليوم هو المحافظة على المكاسب فحسب وليس الدفع في اتجاه المزيد من العلمانية في الممارسة السياسية. لقد أصبحت كلمات مثل : العلمانية ، الحداثة ، التقدم كلمات سيئة السمعة بفضل خطابات الإسلاميين المتهجمة على هذه المفاهيم التي لا يفهمونها أصلا. والحزب الحاكم الذي لا يتوانى عن تغيير القوانين حسب الظروف بموجب وبغير موجب ، لا نتوقع منه اليوم أن يقدم مشروع قانون لدسترة فصل الدين عن الدولة أو لتعميم المساواة بين الجنسين على حق الميراث


إن مبررات مثل هذا التحول كثيرة ومقبولة في مجملها. فمن مسايرة نبض الشارع المتدين إلى ضرورة قطع الطريق أمام الإسلامويين تبدو الأعذار جدية وذلك رغم قناعتي أن أحد أهم الأسباب في ذلك هو كون الحزب الحاكم نفسه استنفد مرجعياته الفكرية وبقي يبحث عن بديل لأطروحاته المتأرجحة تارة إلى اليسار وتارة إلى اليمين ، ثم أن الطبقة السياسية إجمالا متكونة من رجال متقدمين في العمر نسبيا ولعل الدين بدأ يأخذ أهمية في حياتهم الخاصة فأضحوا يبحثون عن "التوبة" من خلال عملهم السياسي . لكن مواطنا مثلي متشبثا بالمبادئ العلمانية للدولة (وإن لم تبلغ مرحلة نضج كاف في الحالة التونسية) يجد نفسه مضطرا إلى التساؤل عما إذا كان الأمر سيقف عند هذا الحد. فلربما كان هذا الشكل المتأسلم للدولة مقدمة لاختراق اسلاموي من داخل أجهزة السلطة وهو ما لا نتمناه أبدا لبلادنا


من المؤكد اليوم أن كل من يدافع عن العلمانية يجد نفسه وحيدا بين سلطة من المفترض أن يقف في صفها لكونها الحامية الشرعية للمكتسبات العلمانية وبين معارضة إسلاموية ترى فيه في أفضل الحالات ذيلا من ذيول النظام وفي أسوأها كافرا زنديقا خارجا عن الملة. هل حقا يوجد فضاء لمعارضة حقيقية خارج إطار المرجعيات الدينية إذا علمنا أن الدولة لها رغبة متزايدة في الظهور بمظهر إسلامي في حين أن المعارضة تمني النفس بتغيير شكل الدولة إلى دولة دينية ؟

4 commentaires:

Big Trap Boy a dit…

الأسئلة اللتي طرحتها فعلا وجيهة وتستوجب الدراسة والإجابة

سعيد باكتشاف هذه المدونة

لا لتسييس الدين، لا لتديين السياسة

الكاتب a dit…

يا صديقي حركة 18 أكتوبر التي انتقدتها_وهذا من حقّك طبعًا_ تعجّ بالعلمانيين المشهورين كالعيّاشي الهمّامي وحمّة الهمّامي ومنجي اللوز وغيرهم والحبيب مرسيط وخميّس الشمّاري وراضية النصراوي وغيرهم...

أرى نّ هناك مجال لتكون علمانيًا، لكن لا لعلمانية الوقوف على الربوة والإكتفاء بسبّ الإسلاميين. أنا شخصيًا أحترم _وأحاول ان أكون_العلماني الذي يقف في وجه الإستبداد السلطوي والإستبداد بإسم الدين على حدّ سواء...

سعدت بإكتشاف مدوّنتك

بالتوفيق

علماني a dit…

تراب بوي : شرفتنا !

النسر الأسود : شكرا لمرورك. الحقيقة كل ما أردت قوله هو أن 18 أكتوبر تعج بالعلمانيين كما الإسلاميين. وما يؤرقني هو: هل من الممكن أن يكون النضال مع الإسلاميين يدا في يد في حين أن لهم تصورا خاصا عن شكل الدولة ليس فيه لأغلب العلمانيين مكان؟ لقد طالعت أحد آخر مقالاتك في مدونتك ولمست لديك هذا التوجس إزاء الإسلاميين ونواياهم وذلك من خلال مخاطبتك لأحدهم. أنا شخصيا لا أريد أن أقف على الربوة وأسب الإسلاميين (لا أظنني سببتهم في هذا المقال) لكن المثال الإيراني حاضر في ذهني بقوة وسأرجع إليه إن سنحت الفرصة.

algerien a dit…

سيعيد باكتشاف هذه المدونة وسعيد جدا بالمنهج العلماني الذي تتبه تونس رغم بعض العيوب المتعلقة بنقص حرية التعبير و حرية الصحافة ولكن انا كجزائري قد مررت وعايشت الازمة التي مرت بها الجزائر
قد يتسائل البعض ماسبب كل العنف الذي شهدته الجزائر ..الكثير يرمي اللوم على المؤسسات الذولة المنسوبة للعلمانية و هذه النظرية روج ويروج لها الاسلاميون و لكن قد يكون الخطئ الفادح الذي اقترفه العلمانيون والديموقراطيون هو منح الديموقراطية المطلقة لشعب لا يدرك حقيقة الديموقراطية وكانت الفرصة الذهبية التي لم يكن يحلم بها خفافيش الامساجد وكانت هي الفرصة التي اخرجت ائمة الظلام الاسلامي من كهوفهم فاصبحوا ممثليل السماء في الارض و خلفاء الرب في الارض فما كان على الجزائريين البسطاء الا ان يختاروا بين سلطة الله وشريعته و حكم الدولة و قوانينه المدنية و المعادلة واضحة سيختار الاسكافي و بائع السرديين و المواطن البسيط السلطة السلطة السماوية و بتالي سيختار خلفائه في الارض المتمثل في جبهة الاسلامية للانقاض
و هنا المشكلة ..هل الديمقراطية عمياء و تعطي السلطة لمن لا يؤمنون بها و الحقيقة هي ان حزب الانقاذ الاسلامي بعد فوزه بالاغلبية في الانتخابات البلدية والبرلمانية صرح و بصوت اجهلهم على بالحاج ان الديمقراطية كفر" و ان البرلمان بدعة و سيلغيه بمجرد وصول حزبه الى السلطة و الخطير و المضحك المبكي هو التصريح الذي ادلى به بعد فوزه بالانتخابات هو انهم اي الاسلاميون سيستعملون صندوق الانتخابات مرة واحد اي للوصول لسلطة و بعدها سيقيمون الدولة الاسلامية الموعودة
هنا اصبح من واجب الجيش ان يتحرك و بكل ما لديه من قوة لانقاض الدولة و دستورها و كانت اي دولة في العالم الغربي ستفعل نفس الشيئ وهنا بدات رقاب الجزائريين تقطع هنا وهناك بعد الفتاوي التي حللت دمه
وهنا السؤال ..هل تونس كانت ستنجح اذا طبقت الديمقراطية بحذافرها
اذا ما فعله الرئيس التونسي هو عين الصواب رغم ما يعاب عليه فالفكر الاسلامي هو مثل الفكر الفاشي او اخطر منه لانه فكر دكتاتوري مقدس و مبارك من رب السماء
لذي يجب قبل تطبيق الديموقراطية و منح الحريات يجب محاربة الفاشية الاسلامية و نشر الثقافة المدنية
و شكرا