vendredi 21 septembre 2007

الإذاعة الدينية توحد من فرقتهم السياسة

سارعت على الأقل أربعة أحزاب معارضة إلى التهليل والتكبير بمناسبة انطلاق أول إذاعة دينية بتونس "بمبادرة من رئيس الدولة". وإن كنت لا أدري لماذا يُنسب كل ما يعتبر إنجازا إلى رئيس الدولة ، لا سيما وأن الإذاعة وحسب علمي على ملك أحد الخواص ولم يتم إنشائها من المال العام .

و لئن كانت تهاني حركة النهضة الإسلامية المحظورة للسيد الماطري صاحب المحطة الإذاعية غير متوقعة لقرب الأخير من السلطة ، فإن ما كان متوقعا أكثر هو ردة فعل الأحزاب الأخرى التي تنافست في إصدار البلاغات بهذه المناسبة . فمن حركة الديمقراطيين الإشتراكيين (يساري ) ، إ لى حزب الوحدة الشعبية (قومي اشتراكي) ، والحزب الإجتماعي التحرري (ليبرالي) مرورا بحزب الخضر للتقدم (إيكولوجي) ، لم تدع اتجاهات المعارضة الفرصة تمر دون تذكير العام والخاص بولائها الدائم للنظام . وغني عن التذكيرا أن بعض هذه الأحزاب إن لم يكن كلها تعتمد مرجعيات فكرية علمانية ولعل بعض النشطين داخل هذه الأحزاب من الماركسيين الملحدين المقتنعين بمقولة "الدين أفيون الشعوب". لكن القناعات الشخصية تسقط حتما لدى هؤلاء عندما يتعلق الأمر بتقديم فروض الطاعة والولاء لولي الأمر.

وبغض النظر عن المبادرات الإنبطاحية لأحزاب المعارضة المذكورة أعلاه ، فلسائل أن يسأل ماذا ستجني تونس من بعث إذاعة دينية ؟ ثم ماذا جنينا من بعث قرابة العشر إذاعات في 20 سنة ؟ هل تقوم هذه الإذاعات بواجبها الإعلامي ثم هل يستمع إليها الناس أصلا ؟ وما الفائدة من إهدار الوقت والطاقات في إنجازات نفرح بها يوم تدشن لننساها في اليوم الموالي ؟ لست ضد المبادرة الفردية وحرية الإنتصاب للمؤسسات الخاصة ، لكن ما يبعث على القلق في قضية الحال هو كون الإذاعة انطلقت "بمبادرة رئاسية" كما برز في تغطية الصحافة للحدث وفي بلاغات أحزاب المعارضة ، أي أن السلطة الأولى في البلاد قد دعمت وباركت هذه المبادرة الخاصة ففقدت بذلك طابعها الخاص وأصبحت بشكل أو بآخر في ضمن المنجزات العمومية ، ولعل بعثها في هذا التوقيت وبهذه الضجة الإعلامية دليل على أن السلطة تركب ركاب الموجة الدينية التي اعترت البلاد في السنوات الأخيرة مراهنة في ذلك على أن القيم الإسلامية المعتدلة هي الضامن الأمثل ضد ثقافة التطرف والعنف . إلا أنها مراهنة قد تكون خاسرة في نهاية الأمر. إذ يحق لنا أن نتسائل :

ـ هل أن الفهم العقلاني والمعتدل للدين الإسلامي الحنيف يمكنه أن يصمد أمام أنماط فهم متكلسة ناتجة عن خمس قرون من الجمود ؟ هل أن الأدبيات الإسلامية المعتدلة (كتابات الشيخ بن عاشور مثلا) متوفرة للعموم وفهمها في متناول الجميع أم أن الأدبيات الوهابية والإخوانية أقرب لأفئدة المؤمنين ؟

ـ كيف تعول الدولة (أو من يمثلها) على نسخة من الإسلام تسوقها بنفسها في حين اعتاد المواطن العادي عدم الثقة بمصادر المعلومات الرسمية ؟ ألا يكون ذلك دافعا للمواطن البسيط للبحث في مصادر المعلومة الأخرى مثلما اعتاد استقاء أخبار بلده من قناة الجزيرة ؟

ـ هل يمكن لهذه السياسة أن تنجح في حين أن مثيلاتها قد أثبتت فشلها في المغرب مثلا ، حيث الإسلام دين رسمي والملك أمير المؤمنين لكن ذلك لم يمنع شرائح كاملة من المجتمع من التحول إلى التطرف ؟

من الواضح أن موجة التدين الأخيرة ساعدت ممثلي الإسلام السياسي حتى يجرجروا الدولة ومسؤوليها إلى حلبتهم. أتذكرون كيف ضحك البعض من وزير الشؤون الدينية لعدم اطلاعه على أقوال بعض الفقهاء في الحجاب ؟ هذا ما ستجنيه علينا مثل هذه السياسات : المزيد من المهازل لمسؤولي دولة حديثة كان من المفروض أن يكونوا بعيدين تماما عن المجال الديني. لكن في تونس اليوم يشرف المسؤولون الكبارعلى المناسبات الدينية في حين يعرف الكثيرون حولهم أنهم يشربون الخمر ولا يقيمون الصلاة.

في الوقت الذي كان من المفروض أن يطرح فيه موضوع الإنتاجية في رمضان وأن تتجند طاقات البلاد لمناقشة معضلة الركود الإقتصادي خلال هذا الشهر ، تنبري صحفنا ووسائل إعلامنا إلى التنويه بإنطلاق الإذاعة الجديدة وكأن اقتصاد بلدنا ليس قضية ذات أولوية. أما بعض الملفات الإقتصادية المخصصة لبداية الشهر الفضيل فهي تركز على ضرورة عدم اللهفة على السلع لأن السلطات المختصة قد اتخذت كل الإجراء ات اللازمة لضمان تزويد الأسواق بما يلزم. وهذه "الإجراء ات الحكيمة" تتكلف طبعا بالعملة الصعبة التي نجنيها من سواح فعلنا المستحيل حتى نجلبهم لشواطئنا. إذن اللهفة هي مصدر كل داء خلال شهر رمضان ، والمواطن طبعا هو السبب في غلاء الأسعار ، أما انخفاض الإنتاجية فلا أحد يتحدث عنه. ربما لأن بركة رمضان تتنزل في الشيء القليل الذي ننتجه خلال هذا الشهر، أليس هذا خيرا بألف مرة من الكثرة وقلة البركة ؟

"إقحام الدين في السياسة يضر بالدين ويضر بالسياسة" كما يقول سيد القمني. لكن يبدو أن الجميع اليوم في تونس مصرون على إقحام الدين في السياسة حتى لو كلفنا ذلك الإبتعاد أكثر فأكثر عن العلمانية وعن الديمقراطية الحقة.


5 commentaires:

citoyen a dit…

أ"أن الجميع اليوم في تونس مصرون على إقحام الدين في السياسة"ة
الدين كأصل تجاري مضمون الربح فالمنافسة شديدة بينهم. أيهم يشتغل بهذاالاصل .وسر قوة هذا الأصل متأتية من محاربة المعرفة والفكر الحر. وبرامج تعليمية تعتمد تلقين الناشئة برياض الأطفال والمدارس الابتدائية المبادئ الدينية الإسلامية الموغلة في الضلاميةالمعادية للفكر النقدي

عماد حبيب a dit…

تهاني للمدونة و تشجيعي لخطها

تحياتي

Anonyme a dit…

كنت أرغب أن أترك تعليقا يحتوي على إضافة ما لكني لا أجد مجالا لذلك
أرجو منك فقط ألا تتوقف على الكتابة

Leila Ben Soltane a dit…

مدونة جميلة ! أسجل متابعتي

Anonyme a dit…

في البدء مبروك و تشجيعي الحار لصاحب هذه المدونة